ما شاء الله لا قوة إلا بالله: سر البركة في حياتنا

تفهم قوة "ما شاء الله لا قوة إلا بالله". درس من سورة الكهف عن البركة، التواضع، وحفظ النعم. حماية من العجب والحسد.

 

حديقة غناء مزهرة ترمز للبركة الوفيرة وقوة الله

الكلمات أحيانًا تحمل في طياتها أكثر مما نظن. بعضها، يفتح لك آفاقًا جديدة (أو يعيدك لشيء تعرفه لكنك نسيته). وعبارة "وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ" هي واحدة من تلك الكلمات. هي ليست مجرد جملة تُقال؛ إنها منهاج كامل، طريقة تفكير، ودرع للنفس. هذه الآية، جزءٌ من سورة الكهف، تأتي في سياق قصة تحمل دروسًا كثيرة جدًا. قصة رجلين، أحدهما يمتلك جنةً غناء، والثاني فقيرٌ لكن قلبه عامرٌ بالإيمان. هنا، نرى الفرق. الرجل الغني، وهو يمشي في بستانه، كان يرى الثمار، ويشعر بالرخاء، وربما انتابه شعورٌ بأن كل هذا جاء بجهده هو، بذكائه، بحسن تدبيره. هذا الشعور هو الخطأ كله، (وهو خطأ يقع فيه كثيرون اليوم أيضًا). لكن صاحبه المؤمن، كان له رأيٌ آخر. ذكّره بالمعطي الحقيقي، بمصدر كل النعم. هذه التذكرة ليست كلامًا عابرًا، بل هي جوهر الإيمان. إنها دعوة للتواضع، دعوة للشكر، ولإدراك حقيقة القوة. كل الخير الذي نراه حولنا، كل ما نملك، وكل ما نحقق؛ أصله من خالقٍ واحد. ولا يمكن أن يكون لأي مخلوق قوةٌ مستقلة عن إرادته. هذه هي الفكرة الأساسية.

فهم المعنى: ما شاء الله ولا قوة إلا بالله

لنقف عند كل شطرٍ من هذه العبارة العظيمة. "ما شاء الله" تعني ببساطة: ما أراده الله كان، وما لم يشأ لم يكن. هذه الكلمات تذكرنا أن كل ما يحدث في الكون، من صغيرٍ وكبير، هو بقدر الله ومشيئته. أنت ترى مشروعًا ناجحًا، بيتًا جميلًا، طفلًا ذكيًا، أو حتى وردةً تتفتح في الحديقة؛ كل هذا كان بمشيئة الله. ليست صدفة، ولا محض جهدٍ بشريٍ بحت. التسليم بهذه الحقيقة يريح النفس، ويجعل الإنسان يرى الجمال والعطاء في كل مكان حوله، لكن بعينٍ ترى اليد الخفية المدبرة.

أما الشطر الثاني، "لا قوة إلا بالله"، فهو إقرارٌ صريح بأن كل قوةٍ في الوجود، سواء كانت مادية أو معنوية، قوة البدن، قوة العقل، قوة التأثير، قوة المال، وحتى قوة الإرادة؛ كلها مستمدةٌ من قوة الله وحده. لا أحد يمكنه أن يفعل شيئًا، أو يدفع ضررًا، أو يجلب نفعًا، إلا إذا أذن الله بذلك. هذا الشطر ينزع من القلب أوهام القوة الذاتية المطلقة. يمنع الغرور، ويحمي الإنسان من أن يظن أنه هو من صنع كل شيء. وهذا، في رأيي، هو العلاج الأنجع للكبر والعجب.

لماذا نقولها؟ التواضع، الشكر، والحفظ

تأمل لماذا يحثنا القرآن على قول هذه العبارة عندما ندخل جنتنا (أي، عندما نرى نعمنا). الهدف ليس فقط التذكير، بل هو حماية للنفس والنعمة معًا.

  1. حماية من العُجب: عندما يرى الإنسان نعمةً فيه أو يمتلكها، قد يصاب بالعُجب. يرى نفسه مستحقًا، أو أفضل من غيره. وهذا الشعور يفسد القلب، ويؤدي إلى الغطرسة. قول "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" يكسر هذا الحاجز. يذكرك أنك لست سوى مستخلف، وأن المُنعم هو الله. هذا التواضع يجلب الخير للنفس.
  1. حفظ النعمة من الزوال: يقال إن النعم تدوم بالشكر. وهذه العبارة هي قمة الشكر العملي. عندما تعزو النعمة إلى مصدرها الحقيقي، فإنك بهذا الفعل تشكر الله، وتطلب منه أن يحفظها ويبارك فيها. إسناد الفضل إلى نفسك قد يكون سببًا في زوال النعم، كما حدث لصاحب الجنتين في القصة. النعمة التي يُشكر الله عليها غالبًا ما تدوم، وتزداد بركتها.
  1. درء العين والحسد: وإن كانت العين حقًا، فقول هذه العبارة عند رؤية ما يعجبك (سواء في نفسك أو في غيرك) يعمل كتحصين. إذا رأيت شيئًا جميلًا، أو رأيت شخصًا موفقًا، وقلت "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، فأنت بهذا تذكر الله وتطلب منه البركة، ولا تدع مجالًا للحسد أو العين أن تؤثر سلبًا. الأمر هنا نفسي وروحاني في آنٍ واحد.

كيف نعيشها في يومنا؟

هذه العبارة ليست محصورة فقط في الحدائق والبساتين (بالطبع لا). بل هي طريقة حياة. في كل مرةٍ ترى فيها شيئًا يعجبك، سواء كان مالًا، جمالًا، علمًا، صحة، أو حتى موقفًا طيبًا؛ قل "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".

  • عند رؤية نجاحك: أنجزت مشروعًا كبيرًا في العمل؟ أبناؤك تفوقوا في دراستهم؟ صحتك ممتازة بعد مرض؟ لا تتردد في قولها. هذه الكلمات تمنع الكبر، وتزيد البركة في الإنجاز.
  • عند رؤية نعم غيرك: رأيت سيارةً فارهة، بيتًا فاخرًا، أو شخصًا يتمتع بموهبةٍ لافتة؟ قلها. هذا لا يحمي صاحب النعمة فقط، بل يحمي قلبك أنت من الحسد. يجعلك ترى الخير وتفرح به، وتدرك أن كل هذا من الله، له وحده الفضل والمنة. (وما أجمل القلب الذي يرى الخير ويسر به).
  • في الشدائد والمواقف الصعبة: حتى عندما تظن أن القوى كلها ضدك، تذكر "لا قوة إلا بالله". هذه العبارة تمنحك صبرًا، وتذكرك بأن القوة الحقيقية بيد خالقك، وهو القادر على تغيير كل شيء.

إنها دعوةٌ دائمة للتفكر، للربط بين السبب والمسبب، بين النعمة والمنعم. هي تذكيرٌ مستمر بأن الإنسان، مهما بلغ من علم أو قوة أو مال، يظل ضعيفًا محتاجًا إلى ربه. وبتكرارها، تتشرب النفس معاني التواضع والشكر والرضا. (وهذا هو أساس الحياة الطيبة). اجعلها جزءًا من يومك، في كل موقف، في كل نعمة تراها، لتجد أن البركة تحيط بك، وأن قلبك أصبح أكثر طمأنينةً وصفاء.

هذه العبارة البسيطة، التي خرجت من فم مؤمنٍ ينصح أخاه المغتر بنفسه، هي الآن بين أيدينا ككنزٍ ثمين. إنها دعوةٌ لعيش حياةٍ بقلبٍ مرتبطٍ بالله، مدركًا لعظمته، وشاكرًا لنعمائه التي لا تعد ولا تحصى. فقلها، وتأملها، وعِشْ بها. هذا هو الطريق إلى راحة النفس، وبركة العمر. وهذا هو الفهم الحقيقي للإيمان.

إرسال تعليق